الأخبارتحليلات

مبادرة القـ ـائد ليس إنهاء النضال بل ضرورة الانتقال من حالة المواجهة العسـ.ـكرية إلى بناء قوة سياسية قادرة على فرض وجودها

هناك من يصرخ: “ما الذي حدث؟ لقد أُصبت بالصدمة!”، وآخر من منظور يساري يقول: “يكاد العقل ينفجر”، بينما يصف البعض المشهد بأنه لحظة اختناق بالعواطف، لحظة اختلطت فيها الدموع بالعجز عن استيعاب ما يحدث. لكن الحقيقة هي أن هذا الأسلوب هو ما ميز ريبر أوجلان دائمًا.

الصدمة الفكرية، القفز فوق الحدود التقليدية، وفرض التحولات التاريخية بطريقة لا يتوقعها أحد. ليس مجرد إعلان، بل استكمال لمسار بدأ منذ سنوات طويلة. رسالته واضحة: “تجاوزكم الزمن، غيروا أنفسكم، أو ستصبحون جزءًا من الماضي”.

الخطوة التي نشهدها اليوم لم يكن يجب أن تكون مفاجئة، بل تأخرت لأكثر من عقدين. قبل 23 عامًا، كان من المفترض أن يتم الانتقال إلى مؤتمر حرية وديمقراطية كوردستان (KADEK)، حيث كان الحل السياسي مطروحًا كبديل عن الاستمرار في العمل المسلح بنفس الشكل، لكن القوى المهيمنة حينها، سواء داخل تركيا أو القوى الإقليمية والدولية، لم تكن تريد لهذا المشروع أن يرى النور. فضّلت إبقاء الصراع العسكري مستمرًا، لأن الحرب تعني استمرار صفقات السلاح، والمساومات السياسية، وبقاء الكورد عالقين في دوامة النزاع المسلح، بدلًا من تحويلهم إلى قوة سياسية تفرض إرادتها بشكل مباشر.

ما يحدث الآن ليس جديدًا، بل إعادة إحياء لطرح كان من المفترض أن يتحقق منذ عام 2003، لكن المتغيرات الدولية والإقليمية، وتوازنات القوى، أخّرته حتى هذه اللحظة. منذ عام 2006، عندما بدأت منظومة KCK بإعادة هيكلة النضال الكوردي، لم يكن الهدف مجرد الاستمرار في المقاومة المسلحة، بل التحول إلى نموذج سياسي ديمقراطي يجعل من الكفاح أداة للتغيير الشامل وليس مجرد رد فعل على قمع الدولة القومية. وهكذا، تطور المشروع التحرري من مفهوم الدولة القومية المستقلة إلى نموذج الأمة الديمقراطية، حيث تتحقق الحقوق ليس عبر تكوين كيان قومي مغلق، بل عبر إعادة تشكيل العلاقة بين الشعوب على أساس الديمقراطية القاعدية والتنظيم الذاتي.

اليوم، هناك من يعتقد أن ما يجري هو إنهاء للنضال، لكن الحقيقة مغايرة تمامًا. هذه الخطوة لا تعني إنهاء المقاومة، بل توجيهها نحو مرحلة جديدة، حيث تصبح السياسة الديمقراطية والقانونية هي المجال الأساسي لخوض المعركة. تاريخيًا، كانت هناك قوى عالمية تستفيد من إدامة الصراعات، لذلك فإن الانتقال إلى مرحلة التنظيم السياسي الذاتي ضروري لمنع هذه القوى من الاستمرار في استغلال القضية الكوردية كمجرد ورقة في صراعاتها.

لطالما تحدث أوجلان عن ضرورة الانتقال من حالة المواجهة العسكرية إلى بناء قوة سياسية قادرة على فرض وجودها، ليس من خلال انتظار اعتراف من الدولة، بل من خلال خلق واقع لا يمكن تجاوزه. مرافعات اوجلان منذ سنوات تتحدث عن الأبعاد التسعة للأمة الديمقراطية، وقد تحقق تقدم كبير في تطبيق هذا النموذج، سواء في روجافا أو ضمن تجربة HDP في تركيا، حيث أثبت النضال السياسي والمجتمعي أنه قادر على خلق واقع جديد يتجاوز فكرة المقاومة التقليدية.

الطريق ليس سهلًا، فالسلام دائمًا أصعب من الحرب، والتنظيم السياسي يحتاج إلى صبر استراتيجي لا يقل أهمية عن المقاومة المسلحة. لكن، كما كان التحول إلى الكفاح المسلح يومًا ما ضرورة تاريخية، فإن الانتقال إلى نضال سياسي ديمقراطي شامل اليوم هو ضرورة لا يمكن تجاهلها. من لا يفهم كيف انتقل PKK إلى KCK، لن يفهم ما يحدث الآن، لأن هذا ليس تغييرًا تكتيكيًا بل امتداد طبيعي لمسار فكري وتنظيمي بدأ منذ أكثر من 20 عامًا.

إن لم يكن هناك إدراك عميق لهذا التحول، فإن الكثير سيبقون أسرى عقلية الماضي، غير قادرين على رؤية الصورة الكاملة. للفعل الحقيقي، يكفي قليل من العشق، الكرامة، والنضال. وهذا بالضبط جوهر الرسالة التي يجب أن تُفهم في هذا التحول الكبير.

Kurdish New Paradigm ✍️

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى